فجأة بدأت تتواتر علينا الأخبار السارة المطمئنة تباعاً من منطقة الشرق الأوسط: فهاهم الإسرائيليون والفلسطينيون يستأنفون محادثاتهم السلمية المتعثرة في أنابوليس، بينما خلع الجنرال الباكستاني برويز مشرف بزته العسكرية، وتولى مهامه الرئاسية بوصفه قائداً مدنياً. ومن العراق توالت أنباء انحسار موجة العنف وهدوء الأوضاع نسبياً. وبعد كل هذه السنوات التي مرت علينا بما حملته من أخبار سيئة، فقد أصبحنا غير قادرين على التعامل مع الأخبار السارة... هل نصفق ونفرح ونعتذر عن كل الألفاظ والنعوت السيئة التي نعتنا بها الرئيس بوش؟ أم علينا أن نحترز ونتأكد من أن الذي سمعنا ليس سحابة عابرة؟ قبل أن نهلل، فلنحترز أولاً وننظر إلى ما نسمع بعين ناقدة. ولتكن بدايتنا في فك هذا اللغز اجتماع "أنابوليس" الذي عقد مؤخراً، وتوصل فيه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى اتفاق يقضي باستئناف محادثات السلام بينهما، اعتباراً من الثاني عشر من ديسمبر الحالي. ولا شك أن لجلوس كل من الرئيس بوش وأولمرت وأبو مازن إلى جانب بعضهم بعضاً –بعد سبع سنوات من الإهمال الأميركي لعملية السلام، وبعد كل العنف الذي ساد بين طرفي النزاع- أهميته الرمزية التاريخية. كما أكد اللقاء كذلك استعداد القادة العرب للحضور إلى طاولة المفاوضات، متى ما رأوا في واشنطن جدية وعزماً إزاء القضايا التي تهمهم. لكن وكما نعلم فإن السلام ليس مرادفاً لمجرد الحديث عنه. وربما أبدت إدارة بوش عزماً مبكراً على المضي في طريق السلام هذا، لكن العقبات والمصاعب ظلت تراوح مكانها، فلم تفسح أمامها الطريق للمضي أكثر مما فعلت في "أنابوليس". ومن هذه المصاعب مثلاً؛ عدم تمتع أولمرت وأبو مازن بالدعم الشعبي اللازم لهما في بلديهما. ومما يزيد المصاعب تعقيداً مبادرة حركة "حماس" بضربة استباقية مبكرة لاجتماع "أنابوليس"، إذ أعلنت رفضها لها باعتبارها خطوة للتطبيع مع إسرائيل. وفي هذا الموقف ما قد يؤجج نيران المواجهات الدائرة أصلاً بين "فتح" و"حماس"، ويعرقل أي خطوة إضافية نحو السلام. وإلى كل هذه التعقيدات، يضاف البعد الذي يلعبه خطاب الإدارة الأميركية الخاص بـ"محور الشر"، بما له من أثر سلبي بإقصائه للأطراف المعنية به في العملية السلمية هذه. وفي باكستان بدأت بوادر تحول نحو الديمقراطية، لكنها لم تكتمل بعد، ولا يزال الطريق طويلاً أمام اكتمال ذلك التحول، بدليل ما نرى من خلافات كبيرة بين نظام إسلام أباد ومعارضيه السياسيين الذين لا يزال كثير منهم وراء القضبان، بينما تضرب الانقسامات صفوف المعارضة الباكستانية نفسها. وفيما يتصل بوعود باكستان بإبداء عزم أكبر في محاربة التطرف والإرهاب، فإنه يلزم الحذر في الأخذ بهذه الوعود، وبالتالي عدم رفع باكستان من لائحة مواقع الخطر والتهديدات الأمنية. وأخيراً نصل إلى العراق، حيث شهدت معدلات القتل اليومي للمدنيين انخفاضاً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة الماضية. فهذه أخبار طيبة ومفرحة دون شك. لكن علينا التساؤل عن النسبة التي أسهمت بها استراتيجية زيادة عدد القوات في معدل الانخفاض هذا، وكم هي نسبة الانخفاض الناتجة عن الانشقاقات الطائفية العراقية نفسها؟ ثم هل يعني انخفاض معدلات القتل نجاح استراتيجية زيادة عدد القوات؟ وفي المقابل: هل آن لدعاة سياسة تسريع الانسحاب الأميركي من العراق، أن يعيدوا النظر في مواقفهم ويتبنوا موقفاً مغايراً؟ في رأيي؛ لم تحن تلك اللحظة بعد. فإذا ما كان الهدف الأساسي لزيادة عدد قواتنا هناك، هو تمكين الساسة العراقيين من إبرام مصالحة وطنية، فهذا الهدف لم يتحقق بعد، وهو أبعد ما يكون عن التحقق في أي وقت قريب من الآن. والأسوأ من هذا أن استمرار وجودنا العسكري في العراق، لا يزال يغذي موجة التطرف الإقليمي في المنطقة، ما يصرف أنظارنا عن هواجس أمنية في أنحاء أخرى من العالم. إن ما أرمي إلى قوله هو أنه لا يزال هناك الكثير من الأخبار السيئة التي ستردنا خلال ما تبقى من الولاية الرئاسية الحالية. ولذلك فليس للجمهوريين أن يبتهجوا بما تحقق، كما ليس للديمقراطيين أن ينكمشوا ويستحوا من مواقفهم المعارضة لسياسات بوش. روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"